كلنا يعلم كمية التوتر والقلق التي يمكن أن تنتابك أو تنتابنا جميعاً في حال استلامنا لفواتير غير متوقَّعة أو مفاجِئة، لم نكن قد حسبنا لها حساباً من قبل، مثل فواتير إصلاح أعطال طارئة في المنزل، أو السيارة أو حتى مرض أصابنا أو أصاب أحداً من أفراد أسرتنا، كيف سنتجاوز هذه المصاريف؟
أو لمَ لا نفكر بطريقةٍ أفضل؟
كيف يمكننا أن نحوّل كل هذا القلق والتوتر لمجرّد إزعاجٍ بسيط؟ بحيث أننا ندفع فواتيرنا دون أدنى تفكيرٍ بالموضوع، وننساه بعد فترة بسيطة.
هذا بالضبط ما سيكون عليه “مدى ضآلة تأثير هذه المصاريف على وضعك المادي” ، بحال أنك حققت حريتك المالية.

من منّا لم يتأثر ماديّاً من حالة الركود الاقتصادي وجائحة كورونا التي أصابت بالعالم، من منّا لم يشعر بضائقةٍ مالية في ظل توقّف دخله المادي أو حتى تأثره مع استمرار المصاريف، ففي المرّة القادمة التي تحدث فيها حالة ركود اقتصادي أو جائحة او أي حدث مشابه لمَ لا نحيط أنفسنا بشبكة أمان بدل الخوف والذعر من أن يحدث شيءٌ كهذا، وهذا بالضبط ما سيحدث في حال أنك حققت حريتك المالية.
الدفع مقابل الإصلاحات الطارئة دون ضغوط أو قلق هو مجرّد جزء صغير من الصورة، فالحرية المالية هي أكبر من مجرد القدرة على تحمل تكاليف الطوارئ..
هي معرفتك أنه لا داعي للقلق في حال التقاعد لأنك عملت مع مستشارك المالي للاستثمار باستمرار العقود..
هي حرية ترك وظيفتك حتى تعمل شيئاً تحبّه، حتى لو كان هذا الشيء يعني حصولك على أجرٍ أقل.
ما هي الحرية المالية؟
الحرية المالية بشكل عام: هي وجود مدخّرات كافية واستثمارات مالية ونقود في متناول اليد لتوفير نوعية الحياة اللي نرغب فيها لأنفسنا ولعائلاتنا.
وهي تعني زيادة المدخرات اللي تمكّننا من التقاعد أو متابعة المهنة اللي نحبها ونفضّلها، دون أن نكون مدفوعين بكسب راتب محدد كلَّ عام.
وبالتالي نستطيع القول أنّ الحرية المالية هي أن أموالنا تعمل لصالحنا وليس العكس، وأنك تستطيع بمجرّد أن تحقق حريتك المالية أن تتخذ قرارات تخص حياتك الشخصية دون التعرض للضغط بشكل مفرط بما يخص الشؤون المالية، لأنك ببساطة مستعد، أنت مَن تتحكّم بأموالك بدل أن تتحكّم هي بحياتك.
والطريق للحرية المالية ليس أبداً استراتيجية أو خطة لتحقيق الثراء والغنى خلال فترة وجيزة، وكذلك لا يعني أنك ستكون معفى من مسؤولية إدارة أموالك بشكل صحيح، على العكس تماماً، هي السيطرة الكاملة على اموالك من قبلك أنت، بالطريقة الصحيحة وللأهداف والغايات التي تريدها وتحددها أنت.
فمَن منّا لا يطمح لتحقيق هذا الشيء؟ مَن منّا ليس لديه الرغبة بالوصول لحريته المالية الخاصة؟!
إذاً ما هو الطريق لتحقق حريتك المالية؟
أغلبنا، إن لم يكن جميعنا، نعاني من مشاكل كثيرة مشتركة، منها الديون المتزايدة، وحالات الطوارئ النقدية، والإنفاق المسرف، وغيرها من المشاكل التي تعيقنا عن تحقيق أهدافنا، يواجه الجميع متل هي التحديات، لكن الخطوات التالية من الممكن أن تساعدك بشكل كبير في حلّ معظم هذه المشاكل وأن تضعك على الطريق المثالي لتحقيق الحرية المالية:
- اكتب أهدافك:
ما هي هي الحرية المالية بالنسبة إليك؟ الرغبة العامة بأن تصل للحرية المالية هي هدف غامض جداً، لذا يجب أن تكون واضحاً ومحدداً.
لأنه كلما كانت أهدافك اكثر تحديداً، كل ما زادت احتمالية تحقيقها.
اسأل نفسك هذا السؤال: لمَ أنت بحاجةٍ للمال؟ أو بالأحرى لمَ تطمح لتحقيق الحرية المالية؟
هل هدفك هو التخلص من الديون نهائياً؟ هل من أجل مكانٍ لطالما كان حلمك السفر إليه؟ هل أنت بحاجة للادخار لحفل زفاف، أو أطفال، أو تقاعد؟
أغلب الناس الذين حققوا حريتهم المالية ربطوها بهدف واضح، لذا وكخطوة أولى، حدد أهدافك، واكتبها.
- تعلّم كيفية إدارة الأموال:
ليس من الممكن أن تحقق تقدماً ملحوظاً إن لم يكن لديك خطة لأموالك، في حال أنك لم تقرر بعد وضع خطة واضحة وعملية، فإنك ستتساءل في نهاية كل شهر أين ذهبت أموالك! وبالطبع هذا لا يعتبر استقلالاً مالياً وإنما هذا بالضبط وصفةٌ لكارثةٍ مالية.
اعطِ لكل دولار أو ليرة أو دينار (أياً كانت عملتك) اسماً قبل أن يبدأ الشهر، بمعنى آخر: يجب أن تحدد كل دولار أين ستنفقه وكيف وعلى ماذا، ويجب عليك تتبّع إنفاقك على مدار الشهر، إذا كنت تسرف باستمرار في النفقات، أو تقصر في النفقات الواجبة في مناحٍ أخرى من حياتك، فيجب أن تكون واعياً جداً وتتدارك الموضوع بأن تضبط نفقاتك على كل صعيد وفي كل منحى من مناحي الحياة.
وبالتالي فإنّ الميزانية مهمةٌ جداً لوضع أموالك على المسار الصحيح، ولكن بالطبع لن تلتزم فيها شهراً أو عدة أشهر وتتوقف، حتى بعد تحقيق حريتك المالية، يجب أن تستمر بوضع ميزانية فريدة كل شهر، بغض النظر عن مقدار المال الذي عندك، فأنت دائما بحاجة لخطة وميزانية.
وتذكر دائماً أن الحرية المالية لن تأتيك عن طريق الصدفة، الخطة والميزانية تعتبر الخطوة الأولى لبناء الثروة بعد تحديد الهدف.
- قم بتنظيف أموالك:
بمجرد أن تبدأ بتعلّم كيفية إدارة الأموال، سوف تدرك أنك ارتكبت بعض الأخطاء فيما يتعلق بأموالك في الماضي.
إذاً! ما العمل يا ترى؟ هل ستكون قادراً على تصحيح هذه الأخطاء؟
الجواب: بالطبع، يجب أن تكون قادراً إذا كنت ترغب حقاً بتجربة الحرية المالية، لذا يجب أن تتخلص من كل الفوضى قبل أن تبدأ بتكوين الثروة.
وهذا يعني أنه إذا كان عندك ديون متل بطاقات الائتمان، أو قروض الطلاب، أو قروض السيارات، فالآن هو الوقت المناسب لأخذ قرار حاسم بأن تتخلص من هذه الديون.
لمَ؟ لأنه طالما لديك ديون، فهذا يعني أن شيكات راتبك تحمل دائماً اسم شخص آخر، فإذا كان عندك الرغبة بالوصول لهدفك، فأنت بحاجة لدخلك الكامل تحت تصرفك، وليس الأجزاء والقطع المتبقية بعد دفع فواتير بطاقات الائتمان ودفعات قروض الطلاب.
يجب أن تتخلص من كل ديونك من أكبرها وحتى أصغرها حتى تنتهي، بعد ذلك حافظ على كرة الثلج بحالة التدحرج، سداد الديون هو عمل شاق بالتأكيد و كلنا يعلم ذلك، لكن لا أعتقد أن هناك شعوراً جيداً بقدر شعورك بأن تحتفظ بكل المال الذي تجنيه كل شهر!
وتذكر دائماً أنّ وجود الديون سيعيق قدرتك على بناء الثروة، ويعرض خطتك المالية للخطر، لذا ابتعد عن الديون.
- أنفق أقل:
في عام 1958، اشترى “وارن بافيت” منزلاً من خمسة غرف نوم مقابل 31500 دولار ولم ينتقل منه منذ ذلك الوقت، صافي ثروته: 90.3 مليار دولار، وبالطبع يستطيع تحمل تكلفة منزل أكبر وأغلى، لكن من الممكن أن يكون اقتصاده هو السبب في كونه اليوم واحداً من أغنى أغنياء العالم.
شراء أشياء أقل من الممكن أن يساعدك في أن تصبح أكثر ثراءً وغنىً.
من خلال الإنفاق الأقل، سيكون هناك أمران يعملان لصالحك، أولهم، أنه سيكون لديك مزيدٌ من الأموال حتى تخصصها لتحقيق حريتك المالية، ثانياً، سوف تتعلم أنك في الواقع تحتاج لأشياء أقل بكثير حتى تعيش حياةً جيدة، وأنّ كثيراً من الأشياء التي نشتريها في الحقيقة لا تكون ضرورية، وهذا بالتأكيد سيساعدك أيضاً على أن توفر أموالاً أكثر.
- كن ذكياً بشأن اختيارك المهني:
تذكر دائما أنّ أكبر أداةٍ لبناء ثروتك هي دخلك، لذا عندما يتعلق الأمر باختيار المهنة، فإن هناك كثيراً من الأمور على المحك، لا يوجد أي سبب لأن تبقى عالقاً في وظيفةٍ تعتبر ذات دخل محدود، خاصة إذا كانت هذه الوظيفة تجعلك بائساً وغير سعيد، وإن حصولك على وظيفة تستمتع فيها وتدعم أهدافك المتعلقة بالأمن المالي بالطبع ستساعدك على الاستمتاع بالرحلة.
اذاً؟ ما الذي يجب أن تبحث عنه؟ هناك بعض الأشياء التي من الممكن أن تأخذها بعين الاعتبار والتي ستساعدك باختيار الوظيفة أو المهنة المناسبة:
أين تريد أن تكون بعد 10 سنوات؟ وهل هذه الوظيفة منطقية مع أهدافك العامة؟
هل هناك إمكانية لكسب دخل جيد نوعاً ما؟ حتى إذا كانت لا تحقق راتبك الذي تحلم فيه من البداية، فيجب أن تتأكد من وجود فرصة لزيادة دخلك مع زيادة قيمتك الخاصة.
هل يمكنك النمو؟ يعني هل هناك فرص لك للارتقاء والنمو على المستوى الشخصي والمهني؟
هل هذا العمل يعتبر ممتعاً بالنسبة إليك؟ لا تقضي وقتك في وظيفة تكرهها، ابحث دائماً عن شيءٍ تحبه ويسمح لك باستخدام مواهبك ومهاراتك.
هل الفوائد تدعم أهدافك بالحرية المالية؟ خياراتك لمدخرات التقاعد والتأمين الصحي يمكن أن تؤثر بشكل كبير في قدرتك على بناء الثروة.
اختيارك لمهنتك يمكن أن يكون له تأثير كبير على خطتك المالية طويلة الأجل، لذا يجب أن تأخذ هذه الخطوة المهمة على محمل الجد!
- ضع استراتيجية للادخار على المدى القصير:
تخيل لو أنه يجب عليك أن تسحب الأموال من حسابك البنكي عندما يلزمك تبديل وحدة التكييف في منزلك، تخيل لو أن عليك أن تفتح بطاقة ائتمانك حتى تدفع فاتورة السوبر ماركت بعدما فقدت وظيفتك؟ كيف يمكن أن تبقى مستمراً بخطتك لتحقيق الحرية المالية إذا واصلت اقتراض الأموال من مستقبلك؟ بالتأكيد لن تفعل شيئاً كهذا.
إذا كان هدفك هو الحرية المالية، فأنت بحاجةٍ لمخزن مؤقت لأحداث الحياة غير المتوقعة التي تحدث معنا جميعاً دون استثناء، مثل إصلاح السيارات والأجهزة المعطلة والطوارئ الطبية، لهذا السبب يجب أن تزيد صندوق الطوارئ الخاص بك لتغطي تقريباً ثلاثة إلى ستة أشهر من النفقات بمجرد خروجك من الديون.
أن تمتلك الأموال اللازمة لتغطية حدث غير متوقع في الحياة، فإن هذا الشيء يمنحك راحة البال، وهو جزء مهم من خطتك المالية الشاملة، وبمجرد أن يكون عندك حساب التوفير الممول بالكامل، ستبدأ بالشعور بالمزيد من المرونة في ميزانيتك.
- تعرف على خيارات الاستثمار المتاحة:
الآن وبعد أن أصبح لديك خطة للمدخرات قصيرة الأجل، فأنت على استعداد للدخول بشراكة مع مستشار مالي، مهمته أن يساعدك في تحقيق أقصى استفادة من خيارات الاستثمار طويلة الأجل، وكذلك ستكون من مهامه تثقيفك ومساعدتك في اتخاذ قراراتك، والخبر السار هو أنه كلما بدأت الاستثمار بشكل أسرع، زاد الوقت الذي ستنمو فيه أموالك.
وفي نهاية مقالنا هذا، نتمنى عزيزي القارئ أن تكون هذه المعلومات قد تضمنت كل الأجوبة على الأسئلة التي كانت تدور في ذهنك حول الحرية المالية.. ماهي؟ وكيف يمكن تحقيقها؟
وأن تكون هذه المعلومات دافعاً لك بأن تسير بشكل صحيح في طريق تحقيقك لحريتك المالية، أو حتى أن تتخذ الخطوة الأولى على هذا الطريق إذا كنت تتعرف على هذا الموضوع للمرّة الأولى.